ولد إيليا ضاهر أبي ماضي في المحيدثة في المتن الشمالي في لبنان عام 1889م وهاجر إلى مصر سنة 1900م وسكن الإسكندرية وأولع بالأدب والشعر حفظاً ومطالعة ونظماً. أجبره الفقر أن يترك دراسته بعيد الابتدائية، فغادر لبنان إلى مصر ليعمل في تجارة التبغ، وكانت مصر مركزاً للمفكرين اللبنانيين الهاربين من قمع الأتراك، نشر قصائد له في مجلاتٍ لبنانية صادرة في مصر، اهمها "العلم" و"الاكسبرس"، وهناك، تعرف إلى الأديب أمين تقي الدين، الذي تبنى المبدع الصغير ونشر أولى اعمال إيليا في مجلته "الزهور".
مسيرته الأدبية00
وفي مصر، أصدر أبو ماضي أول دواوينه الشعرية عام 1911، بعنوان "تذكار الماضي"، وكان يبلغ من العمر 22 عاماً، شعره السياسي والوطني جعله عرضةً لمضايقات السلطة الرسمية، فهاجر عام 1912 إلى أمريكا الشمالية، وصل أولاً إلى مدينة سينسيناتي، وهناك عمل مع أخيه مراد في التجارة، وتنقل بعدها في الولايات المتحدة إلى ان استقر في مدينة نيويورك عام 1916 وهناك عمل نائباً لتحرير جريدة مرآة الغرب وتزوج من ابنة مالكها السيدة دورا نجيب دياب وأنجبت له اربعة أولاد.
تعرف إلى عظماء القلم في المهجر، فأسس مع جبران خليل جبران وميخائيل نعيمة الرابطة القلمية، التي كانت أبرز مقومات الأدب العربي الحديث، وتعتبر هذه الرابطة أهم العوامل التي ساعدت أبي ماضي على نشر فلسفته الشعرية.
في 15 أبريل 1919، قام إيليا أبو ماضي بإصدار أهم مجلة عربية في المهجر، وهي"مجلة السمير" التي تبنت الأقلام المغتربة، وقدمت الشعر الحديث على صفحاتها، واشترك في إصدارها معظم شعراء المهجر لا سيما أدباء المهجر الأمريكي الشمالي، وقام بتحويلها عام 1936 إلى جريدة يومية. امتازت بنبضها العروبي.
لم تتوقف "السمير" عن الصدور حتى وفاة شاعرنا بنوبة قلبية أسكتت قلبه المرهف بالشعر في 13 نوفمبر 1957.
أهم الأعمال00
تفرغ إيليا أبو ماضي للأدب والصحافة، وأصدر عدة دواوين رسمت اتجاهه الفلسفي والفكري أهمها:
"تذكار الماضي" (الاسكندرية 1911): تناول موضوعات مختلفة أبرزها الظلم، عرض فيها بالشعر الظلم الذي يمارسه الحاكم على المحكوم، مهاجماً الطغيان العثماني ضد بلاده. "إيليا أبو ماضي" (نيويورك 1918): كتب مقدمته جبران خليل جبران ، جمع فيه إيليا الحب، والتأمل والفلسفة، وموضوعات اجتماعية وقضايا وطنية كل ذلك في إطار رومانسي حالم أحياناً وثائر عنيف أحياناً أخرى، يكرر شاعرنا فيه تغنيه بجمال الطبيعة. "الجداول" (نيويورك 1927): كتب مقدمته ميخائيل نعيمة. "الخمائل" (نيويورك 1940): من أكثر دواوين أبي ماضي شهرةً ونجاحاً، فيه اكتمال نضوج ايليا أدبياً، جعله شعر التناقضات، ففيه الجسد والروح، والثورة وطلب السلام، والاعتراف بالواقع ورسم الخيال. "تبر وتراب" "الغابة المفقودة"
أهم العوامل المؤثرة في شعر أبي ماضي00
أحاطته الطبيعة فيطفولته، وكانت قرية المحيدثة تحاصر إيليا أبو ماضي بأشكال الجمال الأخضر والجداول المغردة للجمال، فتعلم حب الطبيعة وتعلق بمناجاتها. الفقر، فنشأته في قسوة الفقر، جعلت منه رسولاً للفقراء، فكتب دوماً عن المساواة الاجتماعية، فكلنا من تراب، لا غني ولا فقير. الهجرة، والاغتراب، كان التشرد في الغربة ثاني مدماك في اتجاه أبي ماضي، ومن التشرد تعلم الوفاء للوطن، فأغزر في الشوق اليه والعناية بطيفه الباق في قلبه. الاختلاط بالنخب، ففي المهجر، كان أبي ماضي منغمساً في علاقته برواد النهضة العربية وقادة الفكر التحرري الأدبي، فاستفاد منهم، وبنى منهجه الشعري وأسلوبه الأدبي.
في دراسة شعره00
يسميه النقاد: شاعر الأمل والتفاؤل (قال السماء كئيبةً وتجهمَ، قلت ابتسم يكفي التجهم في السما، قال الصبا ولّى فقلت له ابتسم، لن يرجع الأسف الصبا المتصرّما)كان الجمال حاضراً في أغلب أعمال أبي ماضي، وامتاز بعشقه للطبيعة (يا ليتني لصٌ لأسرق في الضحى، سرَّ اللطافة في النسيم الساري، وأَجسَّ مؤتلق الجمالِ بأصبعي، في زرقة الأفقِ الجميلِ العاري) وجعله قريناً بكل شيء، ويوصف بأنه كان يحمل روح الشرق في المهجر، حمل هم أمته، فكتب لمصر عندما هددها الطغيان: (خَلِّني أستصرخُ القومَ النياما، أنا لا أرضى لمصرٍ أن تُضاما، لا تلُم في نصرة الحقِ فتىً، هاجه العابثُ بالحق فلاما).
كما لم ينس أوجاع الفقراء والمسحوقين فكتب لهم كثيراً وجعلهم من ثوابت قلمه المبدع (وإن هم لم يقتلوا الأشقياء، فيا ليت شعريَ من يقتلونْ ، ولا يحزننكمُ موتُهمْ، فإنهمُ للردى يولدونْ ، وقولوا كذا قد أراد الإله، وإن قدر الله شيءًا يكونْ).
أما الوطن، فلم يغب، فكان لبنان محور يوميات ايليا أبو ماضي ، (اثنان أعيا الدهر أن يبليهما، لبنان والأمل الذي لذويه) وأجاد مع الحرب العالمية في ترجمة الحنين إلى العائلة والأرض شعراً: (يا جارتي كان لي أهلٌ وإخوان، فبتت الحرب ما بيني وبينهم، كما تقطع أمراس وخيطان، فاليوم كل الذي فيه مهجتي ألم، وكل ما حولهم بؤس وأحزان، وكان لي أمل إذا كان لي وطن)
نصل إلى الحب، كانت تجارب أبي ماضي قاسيةً عاطفياً، ولكنه احتفظ بالأمل الذي لم يفارق كتاباته، فكان يخرج دوماً حالماً مبرراً القسوة والانكسار جاعلاً منه قلعة تفاؤل وتمسك بالحب، رغم انه لم ينف الحزن في قلبه، الا انه ميزه عن اليأس، (إنما تلك أخلفت قبل ليلين من موعدي، لم تمت لا وإنما أصبحت في سوى يدي).
فلسفته00
إيليا أبو ماضي، هو الشاعر الفيلسوف، كان ذو رؤيةٍ فلسفية لكل شيء، فله في الموت فلسفة وفي الكون والوجود، وفي السياسة وفي المجتمع وفي الحب، آمن أن الانسان خالد وأن الموت ليس آخر المطاف، بل تكملة للمسيرة، شارك جبران خليل جبران في ايمانه بالتقمص والعودة بأشكالٍ حياتية أخرى، خصص مساحةً من شعره للماورائيات، عادى التعصب والطائفية، ونبذها في قصائده مبشراً بديانة الانسان!
**اذاً، نستطيع أن نجزم أخيراً، ان ما تعرضنا له، هو أحد أهم معالم الشعر الحديث، ومادة النقد الدسمة التي احتار فيها النقاد، فإيليا أبو ماضي طوب بفلسفته وحكمته وعبقرية عباراته ونظرياته، طوب نفسه قديس الشعر، والمغامر الذي جعل الشعر رسالةً فلسفية، وكسر جماد الشعر القديم وكيفه مع الحداثة، في مزيجٍ حضاري بين الغرب والشرق. كما نجزم أن أبو ماضي، هو شاعر القضية، قضية الوطن والجمال والثورة الاجتماعية والحب.
كم تشتكي و تقول إنّك معدم 00و الأرض ملكك و السماو الأنجم ؟ و لك الحقول وزهرها و أريجها 00و نسيمها و البلبل المترنّم و الماء حولك فضّة رقراقة 00و الشمس فوقك عسجد يتضرّم و النور يبني في السّفوح و في الذّرى00 دورا مزخرفة و حينا يهدم فكأنّه الفنّان يعرض عابثا 00 آياته قدّام من يتعلّم و كأنّه لصفائه و سنائه 00 بحر تعوم به الطّيور الحوّم هشّت لك الدّنيا فما لك واجما ؟ 00و تبسّمت فعلام لا تتبسّم إن كنت مكتئبا لعزّ قد مضى00 هيهات يرجعه إليك تندّم أو كنت تشفق من حلول مصيبة00 هيهات يمنع أن تحلّ تجهّم أو كنت جاوزت الشّباب فلا تقل00 شاخ الزّمان فإنّه لا يهرم أنظر فما تطلّ من الثّرى 00صور تكاد لحسنها تتكلّم ما بين أشجار كأنّ غصونها 00أيد تصفّق تارة و تسلّم و عيون ماء دافقات في الثّرى00 تشفي السقيم كأنّما هي زمزم و مسارح فتن النسيم00 جمالها فسرى يدندن تارة و يهمهم فكأنّه صبّ بباب حبيبة 00متوسّل ، مستعطف ، مسترحم و الجدول الجذلان يضحك لاهيا 00و النرجس الولهان مغف يحلم و على الصعيد ملاءه من سندس 00و على الهضاب لكلّ حسن ميسم فهنا مكان بالأريج معطّر 00و هناك طود بالشّعاع مهمّم صور و أيات تفيض بشاشة 00حتّى كأنّ الله فيها يبسم فامش بعقلك فوقها متفهّما00 إنّ الملاحة ملك من يتفهّم أتزور روحك جنّة فتفوقها 00كيما تزورك بالظنون جهنّم ؟ و ترى الحقيقة هيكلا متجسّدا00 فتعافها لوساوس تتوهّم يا من يحنّ إلى غد في يومه 00قد بعت ما تدري بما لا تعلم
0000000
قم بادر اللّذّات فواتها 00ما كلّ يوم مثل هذا موسم واشراب بسرّ حصن سرّ شبابه00 وارو أحاديث المروءة عنهم المعرضين عن الخنا ، فإذا علا00 صوت يقول : "إلى المكارم" أقدموا ألفاعلين الخير لا لطماعة 00في مغنم ، إنّ الجميل المغنّم أنت الغنيّ إذا ظفرت بصاحب 00منهم و عندك للعواطف منجم رفعوا لدينهم لواء عاليا 00و لهم لواء في العروبة معلم إن حاز بعض النّاس سهما في العلى00 فلهم ضروب لا تعدّ و أسهم لا فضل لي إن رحت أعلن فضلهم00 بقصائدي ، إنّ الضحى لا يكتم لكنّني أخشى مقالة قائل00 هذا الذي يثني عليهم منهم أحبابنا ما أجمل الدنيا بكم00 لا تقبح الدّنيا و فيها أنتم
أيّهذا الشّاكي وما بك داء00 كيف تغدو اذا غدوت عليلا؟ انّ شرّ الجناة في الأرض نفس00 تتوقّى، قبل الرّحيل ، الرّحيلا وترى الشّوك في الورود ، وتعمى00 أن ترى فوقها النّدى إكليلا هو عبء على الحياة ثقيل 00من يظنّ الحياة عبئا ثقيلا والذي نفسه بغير جمال00 لا يرى في الوجود شيئا جميلا ليس أشقى مّمن يرى العيش مرا 00ويظنّ اللّذات فيه فضولا أحكم النّاس في الحياة أناس00 عللّوها فأحسنوا التّعليلا فتمتّع بالصّبح ما دمت فيه 00لا تخف أن يزول حتى يزولا وإذا ما أظلّ رأسك همّ 00قصّر البحث فيه كيلا يطولا أدركت كنهها طيور الرّوابي 00فمن العار أن تظل جهولا ما تراها_ والحقل ملك سواها 00تخذت فيه مسرحا ومقيلا تتغنّى، والصّقر قد ملك الجوّ00 عليها ، ولصائدون السّبيلا تتغنّى، وقد رأيت بعضها يؤخذ 00حيّا والبعض يقضي قتيلا تتغنّى ، وعمرها بعض عام00 أفتبكي وقد تعيش طويلا؟ فهي فوق الغصون في الفجر تتلو00 سور الوجد والهوى ترتيلا وهي طورا على الثرى واقعات 00تلقط الحبّ أو تجرّ الذيولا كلّما أمسك الغصون سكون 00صفّقت الغصون حتى تميلا فاذا ذهّب الأصيل الرّوابي 00وقفت فوقها تناجي الأصيلا فأطلب اللّهو مثلما تطلب الأطيار 00عند الهجير ظلاّ ظليلا وتعلّم حبّ الطلّيعة منها 00واترك القال للورى والقيلا فالذي يتّقي العواذل يلقى 00كلّ حين في كلّ شخص عذولا أنت للأرض أولا وأخيرا 00كنت ملكا أو كنت عبدا ذليلا لا خلود تحت السّماء لحيّ 00فلماذا تراود المستحيلا ؟.. كلّ نجم إلى الأقوال ولكنّ00 آفة النّجم أن يخاف الأقولا غاية الورد في الرّياض ذبول 00كن حكيما واسبق إليه الذبولا وإذا ما وجدت في الأرض ظلاّ 00فتفيّأ به إلى أن يحولا وتوقّع ، إذا السّماء اكفهرّت00 مطرا يحيي السهولا قل لقوم يستنزفون المآقي 00هل شفيتم مع البكاء غليلا؟ ما أتينا إلى الحياة لنشقى 00فأريحوا ، أهل العقول، العقولا كلّ من يجمع الهموم عليه 00أخذته الهموم أخذا وبيلا كن هزارا في عشّه يتغنّى 00ومع الكبل لا يبالي الكبولا لا غرابا يطارد الدّود في الأرض00 ويوما في اللّيل يبكي الطّلولا كن غديرا يسير في الأرض رقراقا 00فيسقي من جانبيه الحقولا تستحم النّجوم فيه ويلقى00 كلّ شخص وكلّ شيء مثيلا لا وعاء يقيّد الماء حتى 00تستحل المياه فيه وحولا كن مع الفجر نسمة توسع الأزهار 00شمّا وتارة تقبيلا لا سموما من السّوافي اللّواتي 00تملأ الأرض في الظّلام عويلا ومع اللّيل كوكبا يؤنس الغابات00 والنّهر والرّبى والسّهولا لا دجى يكره العوالم والنّاس 00فيلقي على الجميع سدولا أيّهذا الشّاكي وما بك داء00 كن جميلا تر الوجود جميلا